27 Janvier 2022
أعلن وزير الدفاع العراقي جمعة عناد في عام 2020، إنه هناك رغبة في التعاقد مع فرنسا لشراء مقاتلات من طراز رافال
فبعد ان قامت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي بزيارة رسمية إلى العراق في 27 أغسطس/ آب 2020، حيث اتفقت مع الوزير عناد على التعاون في المجال العسكري، أجرى بدوره الوزير العراقي، زيارة رسمية إلى فرنسا، حيث التقى نظيرته في باريس
ووفق بيان لوزارة الدفاع، أضاف الوزير العراقي أن الهدف الوحيد من زيارته لفرنسا هو تعزيز قدرات الجيش العراقي بأحدث الأسلحة والمعدات وأوضح أن هناك رغبة بالتعاقد لشراء طائرات رافال من الجيل الرابع من فرنسا
لكن حتى الحين لم تتم ترجمة هذه الخطوة عملياً ولم يعقد أي صفقة ولو مبدئية، وذلك بالرغم من ان العراق بحاجة ملّحة لهذا النوع من الطائرات المتقدمة والمتعددة المهام. وبات الجميع يعلم ان فرنسا سعت لترويج طائرتها في العالم بطريقة مستمرة منذ سنوات
يمتلك العراق حالياً 36 طائرة من طراز إف-16 فالكون ويعتمد في عمليات الهجوم والقصف الجوي على مقاتلات خفيفة كطائرات التدريب والهجوم تي-50 الكورية وطائرات دفع توربيني تي-6 المستوحاة من طائرات ال أ-29سوبر توكانو البرازيلية وخصوصاً السوخوي-25 الروسية. إلى جانب الطيران يعتمد الجيش العراقي على مروحيات هجومية روسية وأمريكية المنشأ
هذه الإمكانيات تبدوا متواضعة جداً مقارنة بما كان الجيش العراقي يملك سابقاً. هنا تبدوا حاجة العراق الى تطوير اسطوله الجوي، خاصة ان الأسراب من طائرات ال إف-16 غير فعالة لأن صيانتها موكّلة الى شركة أمريكية خاصة، تعمل في قاعدة البلد الجوية، حيث يتواجد السرب التاسع العراقي المجهز بهذه المقاتلات
ثم ان ال إف-16 العراقية هي من النماذج القديمة ولا تمتلك قدرات اعتراض جوي كبيرة لأنها كانت مجهزة فقط للدعم الجوي والقصف. ومن البديهي ان واشنطن لم تكن ستسلّم مقاتلات قادرة على اعتراض الطائرات الهجومية الإسرائيلية التي قصفت مراراً مواقع في العراق تحت سيطرة الحشد الشعبي. حتى في مجال الدعم والهجوم، اعتمدت القوات الجوية العراقية على طائرات السوخوي-25 التي استجلبت البعض منها من إيران بعد الكسح الداعشي لمناطق شاسعة في البلاد
بعكس السوخوي-25 فروغفوت أي قدم الضفدع، طائرة ال إف-16 الفالكون أي الصقر الامريكية ليست مخصصة للتحليق على مرتفعات واطية بسرعة منخفضة ولا تملك تدريع خفيف يحمي من القذائف المضادة حتى عيار 23 ملم. وبما ان ال إف-16 ليست مصفحة فهي مضطرة الى التحليق على ارتفاعات عالية. ولم تحصل بغداد على منصات تصويب دقيقة لهذه المقاتلات، ما يعني ان الطائرة تحلق عالي ولا تملك تهديف دقيق فقصفها لن يكون فعال ولا يمكنها العمل في المناطق المأهولة لأنها ستتسبب بأضرار جانبية. بإمكاننا الاستنتاج ان ال سوخوي الروسية الأقدم أظهرت كفاءة أكبر من نظيرتها الأمريكية
الجيش العراقي يستحوذ على ميزانية دفاعية كبيرة ولديه إمكانات شرائية تمكنه من التعاقد على الطائرات الأحدث والأغلى في العالم. وهو مجبور ان يبحث عن ذلك، قياساً بما يملكه جيرانه من قدرات متطورة
سبب إمتناع واشنطن عن تلبية مطالب بغداد واضحة، فهي لم تخفي يوماً التزامها بتحقيق التفوق النوعي لإسرائيل، كما أعلنه كل الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون تكراراً ومراراً. أما الأسباب التي تمنع باريس من المضي في هذه الصفقة لا تبدوا بديهية في الوهلة الأولى. ففرنسا ما زالت تسعى لبيع الرافال في كل أنحاء العالم وتعرضها على الكثير من الدول
هذا التساؤل طرح عدة نظريات أبرزها انه يوجد ضغوط خارجية على المقررين الفرنسيين. منطقياً لا يوجد مبرر آخر لكني لا اميل الى فكرة ان الولايات المتحدة هي من تعرقل هذه الصفقة وذلك لأربعة أسباب رئيسية
اولاً، لا تستطيع واشنطن ان تطلب بوقاحة من باريس ان لا تبيع سلاح لبغداد بينما هي تبيعها السلاح بالمليارات، باريس ستعتبر ذلك احتكار تجاري. خصوصاً انه يوجد دول أخرى لا تتردد بتلبية مطالب بغداد
ثانياً، الدولة العراقية تحظى باعتراف دولي وليست خاضعة لعقوبات اممية والعراق لم يعد مصنف كعدو في الغرب
ثالثاً، الطائرات الفرنسية لا تتضمن مكونات أمريكية، فلا تستطيع أمريكا معارضة البيع قانونياً كما يحصل مع بعض المنتوجات الأوروبية الأخرى
رابعاً، لو كان البيت الأبيض هو من يعرقل هذا الاتفاق لكانت فرنسا تحفزّت لإبرامه، بعد طعنة الغدر التجارية الأمريكية المتعلقة بصفقة الغواصات الأسترالية
لكل هذه الأسباب، لا تستطيع واشنطن تعطيل الفرصة الفرنسية. الدولة الوحيدة التي تعتبر تسليح العراق تهديداً محتمل مستقبلياً هي الدولة العبرية، إسرائيل
لا يخفى عن أحد ثقل العلاقات الفرنسية الإسرائيلية وتأثير النفوذ الإسرائيلي على هذه العلاقات. فرنسا تضم أكبر جالية يهودية في أوروبا وهي مؤثرة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الفرنسي. هذه المؤسسات تشكل طبيعياً عصب اللوبي المنحاز لإسرائيل
هنالك ربما دول في الشرق الأوسط، لا تريد جاراً عراقياً قوياً، لكنها لا تملك أدوات الضغط التي تملكها تل ابيب في باريس
خلاصة هذا الاستنتاج، ان فرنسا على الأرجح لن تصدر الرافال للعراق بسبب التدخل الإسرائيلي. الخيارات المتاحة لبغداد في هذه الحالة، تتمثل بالالتفات نحو الشرق. يعني ان الخيارات الأكثر واقعية هي المقاتلات الصينية والروسية. نسبة الخيار الروسي اعلى، لأن أكثر المقاتلات الصينية من الجيل الرابع تعمل بمحركات روسية وموسكو ستعارض التصدير بشكل متوقع. اما فكرة إقتناء مقاتلات غربية بديلة كطائرة ساب غريبن السويدية او التايفون الأوروبية، فهي صعبة المنال لأنها تحتوي على مكونات امريكية
وربما ان وجود هذه الخيارات عند العراق هي التي ستدفع فرنسا للقبول في النهاية. فلا واشنطن ولا باريس تريدان ان يلحق العراق بالمحور الشرقي. خاصة ان سوريا في غربه وإيران في شرقه تعتمدان على السلاح الشرقي وهذا ممكن ان يؤدي الى تفاعل تعاوني بلن هذه الدول الجارة
وربما ستكون الضغوط الداخلية من قبل لوبي الشركات الصناعية المعنية، هي من ستفرض على الحكومة الفرنسية قرار القبول لاعتبارات اقتصادية
ومما يحفز الفرنسيين أكثر، هو ان الرافال سبق وان تم تصديرها الى ثلاثة دول عربية هي مصر وقطر والامارات، بكميات كبيرة ما شكل طفرة في الطلبات لشركة داسو والشركات المتفرعة منها او المتعاقدة معها
فما سر نجاح الرافال في تصديرها بالرغم من سعرها المرتفع وكونها من الجيل الرابع المحدث وليس الخامس؟ وما هي مواصفاتها وميزاتها التقنية؟ سنحاول الإجابة في تقرير ثاني قريباً، لنستطيع التفصيل أكثر