نبذة عن صناعة السلاح في فلسطين وردعها الإنتقامي لإسرائيل

نبذة عن صناعة السلاح في فلسطين وردعها الإنتقامي لإسرائيل

مع التصعيد الجاري حاليا في المواجهات بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، يتوقع الكثير من المتابعين ان تتدهور الأوضاع وتتحول لحرب جديدة. دون الدخول في تحاليل تداعيات هذه الحرب المحتملة، وابعادها الإستراتيجية خاصة إذا تدحرجت لمواجهة شاملة مع محور المقاومة كاملا وباتت حرب إقليمية، باستطاعتنا ان نقدم توقعات بديهية عن الأسلحة التي سترد بها المقاومة الفلسطينية على عنجهية قوات الاحتلال الصهيوني.

في هذا الصدد، سنتناول باختصار فقط السلاح المصنع محلياً بقدرات ذاتية لكل تنظيم فلسطيني، ولن نشير الى الأسلحة الشرقية المستوردة من سوريا ولبنان او الإيرانية الصنع. مع انه من المنطقي ان السلاح الذي بحوزة الفلسطينيين والمقدم من قبل محور المقاومة، يتفوق بالأداء والنوعية على المنتوج المحلي لأسباب عدة، أبرزها ان الفصائل الفلسطينية المنتجة لا تملك إمكانيات دول وحكومات. وبظل الحصار الدائم وتحكم إسرائيل بالمنافذ الحدودية، فيصعب على الفلسطينيين الحصول حتى على المواد الخام او الأولية كالمعادن واللوازم الكيمائية المدنية. فلذلك، كل ابتكار، تصميم او صناعة لأي سلاح مهما كان بسيطاً بقدرة محلية هو انجاز عظيم.

ممكن ان يتساءل البعض عند جدوى المجهود الصناعي الوطني، بما ان الأسلحة المستوردة من الأصدقاء أحسن وهي مجانية لأنها هبات من الأطراف الحليفة، خصوصاً ان تل ابيب تركز ضرباتها على المنشئات الصناعية المدنية العادية او تلك المخبأة والمحصنة تحت الأرض. الجواب على هذا التساؤل يتضمن خمسة نقاط.

اولاً، من الصحيح ان الشعب الفلسطيني وتنظيماته لم يتنظروا ان يكون لديهم صناعة عسكرية للبدء بمقاومة الاعتداء الإسرائيلي، فهم يتصدون للعدوان منذ عشرات السنين وبسبيل كفاحهم المسلح، كانوا يستقطبون السلاح السوفياتي المنشاء غالباً او من المعسكر الشرقي، عندما كانت الامدادات تأتي من عدة دول عربية من بينها سوريا والعراق وليبيا ومصر. لكن المسارات السياسية لهذه الدول تبدلت كثيراً وصار حتمياً لزوم تنويع المصادر.

ثانياً، من الملفت في التوجه الفلسطيني لإيجاد حلول لشراء السلاح اللازم، ان الفصائل الفلسطينية تمكنت حتى من الاستيلاء على سلاح من مصادر إسرائيلية ومن مخازن الجيش الإسرائيلي نفسه، باستغلال الفساد القائم في الدولة العبرية. وهذا يعني بالنسبة للفلسطينيين ان كل قطعة سلاح تفيد وحتى لو أتت من عند العدو، ومن الواجب تعدد المصادر.

ثالثاً، باتت المقاومة الفلسطينية الآن تملك ترسانة متعددة المصادر، منه ما هو من تصميم ايراني او صناعة سورية كصواريخ ال "إم-303" ومنه ما هو روسي، صيني او كوري شمالي.

رابعاً، تبقى الإرادة الفلسطينية لتطوير صناعاتها الحربية، امراً اساسياً لما تشكله من الاعتماد على الذات. فاستقلالية القرار تكون بمقدور الاكتفاء الذاتي. والأهم من ذلك هي الرسالة التي تبعثها للعدو الصهيوني انه في حال انقطاع أي امداد خارجي، فتلك الصناعة قادرة ان توئمن الحد الأدنى من التسليح لمواصلة المواجهة بالمجهود الذاتي.

خامساً، من الطبيعي ان تفتقر الصناعة اجمالاً في قطاع غزة او في الضفة الغربية الى البنية التحتية الضرورية لإنشاء معامل كبيرة لأن الجيش العبري يدمرها في كل مناسبة. لكن تواضع الإمكانيات المحلية التي تحد من كفاءة وجودة السلاح، لا تمنع من التطوير المستمر للأنظمة الدفاعية والهجومية. بينما ان الاتكال كليا على السلاح القادم من الخارج فهو بالتأكيد لن يساهم في تحسين هذه الصناعة الحرفية لتصبح مع الوقت انتاج شبه صناعي، ولكي تضاهي منتوجاتها العسكرية نوعية العتاد الأجنبي المشترى او المقدم دعما للكفاح الفلسطيني.

بخلاصة، الكل يبدأ مجهوده في الصناعات العسكرية بخطوات صغيرة ولكن مع المثابرة والمراكمة تصبح هذه الخطوات مجدية والفلسطينيون لا يشكلون شواذ عن هذه القاعدة البسيطة. حتى دول كبيرة مثل باكستان، مصر او إيران بدأوا بتصنيع ترساناتهم بمخارط لإنتاج السلاح الخفيف والفردي، فما بالك ببلد صغير محاصر منذ نشأته كفلسطين. طبعا لا يمكن مقارنة الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي تعتبر من الأحدث والاكثر تطوراً في العالم والمدعومة بالتقنية والتكنولوجيا الغربية دون أي عائق والممولة بالمليارات، مع الصناعة الحرفية التي تتم في الاقبية والورش الميكانيكية المخبأة ومخارط الحديد. بل لا يمكننا الا ان نقدّر عبقرية الشباب الفلسطيني في كل مجالات الابتكار الصناعي الحربي.

عندما نتكلم عن المجالات التي ابدعت فيها المقاومة الفلسطينية، سيخطر فوراً على الاذهان مجال صناعة الصواريخ التي تستحوذ على الخبر والتركيز الأكبر في الاعلام. وسنتطرق بالطبع لهذا الموضوع، لكن في الشق الأول من هذا العنوان سنتناول مجال صناعة السلاح الخفيف والفردي او أسلحة المشاة. وقد أنتج الفلسطينيون الكثير منها، لكننا سنختصر هذه الابداعات ببعض النماذج التي باتت كلاسيكية، منها رشاش كارلو والقناصة الثقيلة غول او القاذف المضاد للدروع بتار او ياسين.

في الشق الثاني، سنلخص ما توصلت اليه صناعات المقاومة الفلسطينية في مجال الصواريخ التي اشتهرت بعد استخدامها كصواريخ القسام وجنين-85، قوقا-70، رنتيسي-120 او صاروخ عياش-250 على سبيل المثال.

وفي الشق الثالث والأخير من هذا الموضوع، سنستعرض الإنجازات الفلسطينية في مجال المسيرات الجوية كمسيرة ابابيل وجنين وشهاب او مسيرة الزواري، ومفاجأة المسيرات البحرية والغواصة منها.

التحليل المتاح لنا هنا، يخص طبعا السلاح المعلن عنه او الذي استخدم في الماضي، لأننا لا نعلم اسرار عسكرية تجهلها أحيانا أجهزة رسمية وتسعى ورائها مخابرات مختصة، لكننا تستطيع ان تستنتج أيضا بعض المفاجآت والابتكارات الجديدة.